هل نظرية المؤامرة شأن مصرى خاص أم أنها صارت هاجساً عالمياً ووسواساً كونياً؟!، أرسل إلىّ الطبيب والباحث د. حاتم أيمن رسالة يؤكد فيها أن نظرية المؤامرة أصبحت مرضاً مزمناً يعانى منه العالم كله بدرجات متفاوتة، لكنه موجود لدى الكل، يقول فى رسالته: هالنى ما سمعته فى الأيام الماضية من أنصاف المثقفين ومدعى الحكمة، من أن القنابل التى ينزع فتيلها خبراء المفرقعات فى الآونة الأخيرة تزرعها أمن الدولة لترويع الآمنين، ولا علاقة للإخوان بها!! وأدركت على الفور أننا شعب طيب ضعيف الذاكرة، ولنسترجع معاً شريط الذكريات من أيام حادث القديسين وفتح السجون والهجوم على الأقسام وحوادث أخرى فى الفترة التى تلتها، والتى استغلتها وقتها الأبواق الدعائية لجماعة الإخوان لتشويه النظام السابق والمجلس العسكرى وصدّقناها جميعاً بسذاجة متناهية، لكن الأسطوانة تتكرر الآن، ويبدو أن هناك من يصدّقها أيضاً دون أى تمحيص أو رجوع إلى الماضى، ولو حتى لعامين إلى الوراء بسبب العشق أو قل الهوس المصرى الحالى بنظرية المؤامرة. والحقيقة ببساطة شديدة أن هذه القنابل أصبحت ضعيفة التأثير بسبب النضوب النسبى لموارد التمويل لجماعة الإخوان، وبسبب التحسّن الملحوظ فى كفاءة خبراء المفرقعات للتعامل مع هذه القنابل، والدليل أن قنابل مماثلة كانت تحصد، وحتى شهور قليلة مضت أرواح ضابط أو اثنين فى كل محاولة لتفكيك القنبلة. وبعيداً عن الشغف المصرى بنظرية المؤامرة وبعيداً عن السياسة، وعودة إلى العلم، فإن ما هدّأ من روعى قليلاً أننى أدركت أن شعوب العالم كله الآن تسيطر عليها بصورة لافتة، نظرية المؤامرة، فعند تفشى مرض الإيبولا مثلاً روّجت مواقع أوروبية وأفريقية أنها مؤامرة أمريكية للتوغّل فى أفريقيا والسيطرة عليها، وبالفعل ترسّخت أركان المؤامرة بعدما أعلن «أوباما» عن إرسال 1700 فرد من الجيش الأمريكى إلى الأماكن الموبوءة، وكانت هذه الفكرة من التأثير، لدرجة أن بعض أهالى المناطق الموبوءة هاجموا المستشفيات بالحجارة لتحرير ضحايا الفيروس، ولكن تبين بعد ذلك أنه بسبب نقص الموارد لمنظمة الصحة العالمية (ميزانيتها لا تتعدى 4 مليارات دولار، وهى أقل من ميزانية بعض المستشفيات الكبيرة فى الولايات المتحدة)، فإن منظمة «أطباء بلا حدود» طالبت الدول الكبرى التى يوجد فى جيوشها فرق مخصصة لمكافحة الحروب البيولوجية بأن ترسل فرقاً مدرّبة لمكافحة المرض فى المناطق المصابة بسبب ضيق ذات يد منظمة الصحة العالمية، وكانت الحكومة الأمريكية أول من استجاب، فتحولت إلى متهم ومتآمر. ومثال آخر من الادعاءات التافهة التى انتشرت مؤخراً على الإنترنت أن الهبوط للقمر كان مفبركاً وجزءاً من الحرب الباردة، وللتدليل على ذلك يقولون إن «ناسا» فشلت مؤخراً فى إرسال بشر إلى القمر رغم مرور 45 عاماً على الهبوط الأول، والرد على ذلك ببساطة أن الولايات المتحدة كانت أكثر اهتماماً بالبحث العلمى فى السابق، ولكن للأسف قللت نسبياً من الإنفاق العلمى، وأصبحت مهووسة بالتسليح فى الآونة الأخيرة (ميزانية «ناسا» أقل من 0.5% من ميزانية الولايات المتحدة السنوية، وميزانية التسليح 37%)، ولا تملك «ناسا» الآن أى موارد حقيقية لعمل مشروعات طموحة فى الفضاء، مثل الهبوط على القمر. وربما يكون انتشار الإنترنت والقراءة السطحية للأحداث هو المسئول الأول عن انتشار نظرية المؤامرة عالمياً، ولكن بعيداً عن الشأن العالمى وعودة إلى الشأن المصرى، فمن المؤكد أن دول العالم الثالث مثل بلادنا، أكثر قابلية لقبول التفسير التآمرى للأحداث، بسبب تفشى الجهل والسطحية وحتماً هناك مؤامرات سياسية كبرى، وكما قال الأستاذ هيكل سابقاً فإن اجتماع أى شخصين سراً فى مكان ما للاتفاق على شىء ما يُعد نوعاً من المؤامرة، ولكن علينا قبل تصديق أى كلام مرسل أن ندقق ونبحث فى الشواهد وفى ما وراء الحدث، وأن نعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء قبل ترديد شائعات الإخوان دون تفكير كالببغاء.